المبحث الأول : تشخيص ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير
يلعب العقار دورا حيويا على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمختلف تجلياتها ، لذلك فقد احاطه المشرع المغربي بمجموعة من المقتضيات القانونية ، وارتقى به إلى مصاف الحماية الدستورية بموجب الفصل 35 من الدستور والذي اعتبر حق الملكية العقارية من أهم الحقوق الراجعة للأفراد التي لا يمكن المساس بها إلا بموجب القانون وفق إجراءات محددة سلفا .
وبالنظر لأهمية الملكية العقارية في حياة الأفراد ولقيمتها التصاعدية في السوق الاقتصادية ، فقد شكلت مطمعا لذوي النيات السيئة الذين يحاولون الترامي عليها وسلبها من مالكيها الحقيقيين بشتي الطرق إلى حد ظهور شبكات مؤطرة في ميدان التزوير غايتها البحث عن العقارات المهملة وخاصة تلك العائدة للأجانب وكذا للمغاربة المقيمين بالخارج للاستيلاء عليها وحرمان مالكيها منها . وعليه ومن أجل تشخيص ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير بنوع من الدقة ، لا بد من التطرق الى ماهية هذه الظاهرة ( المطلب الأول ) ، ومن ثم إلى وسائل الاستيلاء على عقارات الغير ( المطلب الثاني ) .
المطلب الأول : ماهية الاستيلاء على عقارات الغير
نظرا لما تشكله هذه الظاهرة من خطورة على المنظومة العقارية ككل ، ارتأينا ملامسة جوانب هذه الظاهرة ، من خلال وضع تعريف لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير وتمييزه عن غيره من المفاهيم المشابهة ( الفقرة الأولى ) ، مع تسليط الضوء على أهم العوامل المساعدة على استفحال وتفشي هذه الممارسة غير المشروعة ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى ، مفهوم الاستيلاء على عقارات الغير وتمييزه عن المفاهيم المشابهة
إن المشرع المغربي قد حاول من خلال ترسانته القانونية حماية الملكية العقارية وتحصينها وضمان سهولة تداولها عبر تعزيز ضمانات استقرار المعاملات العقارية والرفع من قيمتها الاقتصادية لكن في ظل تفشي ما يسمى بالاستيلاء على عقارات الغير ، أضحى تحقيق الأمن العقاري رهين بتجاوز والحد من هذه الظاهرة ، لما تشكله من اعتداء على الملكية العقارية ، حيث اتضح أن لوبيات العقار تلجأ في استيلائها على الأملاك العقارية إلى استغلال هشاشة القوانين والترسانة المنظمة للعقار . وأمام استفحال هذه الظاهرة وتزايد عدد القضايا المعروضة أمام القضاء ، أصبح لزاما علينا تشخيص هذه الظاهرة عبر وضع تعريف لها وملامسة الانطلاق الحقيقي لها ( أولا ) ، وكذا تمييزها عن غيرها من الممارسات غير المشروعة ( ثانيا ) .
اولا : تعريف الاستيلاء على عقارات الغير
لم يتحمل المشرع المغربي عناء وضع تعريف دقيق للاستيلاء على عقارات الغير ، بل اقتصر فقط على وضع نصوص قانونية متفرقة يمكن من خلال استقرائها إزالة الغموض عنه ، هذا فضلا على أن أخطر ما يهدد الأمن العقاري اليوم ببلادنا هو تفشي ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير التي باتت تنخر في صلب المجتمع المغربي أكثر من أي وقت مضى .
فالاستيلاء هو إثبات اليد على المحل حالا ومآلا ، أو القهر والغلبة ولو حكمت ، أما الفعل المادي الذي يتحقق به الاستيلاء فإنه يختلف تبعا للأشياء والأشخاص ، وهناك من الفقه من يعتبر الاستيلاء يتحقق بانتزاع المال خلسة أو عدوة بطريقة الحلية " .
وبذلك فإن الاستيلاء يراد به بلوغ الغاية من الأمر وصيرورة الشيء في يد الشخص قهرا وبدون رضاه ، بمعنى أن الاستيلاء على عقار الغير هو السطو والغصب بدون وجه حق باستعمال القوة .
وبالرجوع إلى الفقه نجد البعض قد اعتبر الاستيلاء سببا لكسب ملكية الأشياء التي لا مالك لها ، عن طريق وضع اليد عليها بنية تملكها والاستيلاء بهذا المعنى يتكون من عنصرين ، عنصر مادي يتجسد في الحيازة أي وضع اليد ، وعنصر معنوي وهو وجود نية التملك 2 . فالاستيلاء في نظره يخص ملكية الأشياء المنقولة التي لا مالك لها وهو ما يعني أنه لا يمكن استساغته والاعتداد به في كسبملكية العقارات ، ودليله في ذلك أنه لا يمكن تصوروجود عقارات دون مالكها ، بل حتى الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة تماشيا مع ما نصت عليه المادة 222 من مدونة الحقوق العينية .
وسائل الاستيلاء على عقارات الغير
تتعدد وتتنوع وسائل الاستيلاء على عقارات الغير بحسب ما إذا كان العقار محفظا ( الفقرة الأولى ) ، أو غير محفظ ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى : بالنسبة للعقارات المحفظة
إن طرق الاستيلاء على العقارات المحفظة لا تخرج عموما عن حالات معينة تتمثل في عملية التزوير ( أولا ) ، أو تذييل وتزييف الأختام ( ثانيا ) .
أولا : التزوير كوسيلة لاستيلاء على عقارات الغير
بالرغم من كون التعريفات تترك للفقه والقضاء ، فإن المشرع المغربي خرج عن المألوف وعرف في القانون الجنائي التزوير في المحررات في المادة 351 كما يلي : " تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية ، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون " .
هذا وقد أحال ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون رقم 14.07 بخصوص جرائم التزوير والتزييف والتحريف ... ، على مقتضيات القانون الجنائي ، خاصة وأن القاعدة القانونية لا يمكن أن تكسب صرامتها إلا عند إقرانها بالشق الزجري . وتغيير الحقيقة لا يمكن أن يتخذ شكلا محددا ، كما لا يمكن أن ينصب على محرر دون الآخر ، بحيث قد ينصب حتى على المحررات الرسمية العدلية منها والتوثيقية ( أ ) ، أو على المحررات العرفية ( ب ) .
للتحميل اضغط هنا