أولا : مفهوم التقييد الاحتياطي
لم يعرف المشرع المغربي التقييد الإحتياطي ، بل ترك مهمة تحديد التعريف للفقه والقضاء ، وبالرجوع إلى الفقه المغربي نجده أن عرفه طبقا لمقتضيات التشريع العقاري المغربي ، ومن هذه التعاريف نجد تعريف ، لأستاذ ( 1 ) محمد ابن الحاج السلمي الذي إعتبره : " بأنه إمكانية يخولها القانون لكل من يدعي حقا على عقار ومحفظ قصد الإحتفاظ المؤقت بهذا الحق وذلك بالإشارة إليه في الرسم العقاري في انتظار تحويل هذا التقييد الإحتياطي إلى تسجيل نهائي أو إلغائه بالمرة " .
أما الأستاذ بول دوكرو ( 2 ) فقد عرفه بأنه : " بيان يثبت بالرسم العقاري بصفة مؤقتة ومشروطة وينبئ بالحق المطالب به والذي يكون غير قابل للتقييد بالسجلات العقارية بطريقة قانونية " .
في حين نجد الأستاذ مأمون الكزبري ( ' ) يعرفه بأنه : " إجراء يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله لسبب من الأسباب ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال المانع وذلك بأن يضع قيدا تحفظيا على رسم التمليك وعلى نسخة هذا الرسم يتضمن الإشارة إلى الحق الذي يدعيه والذي إمتنع عليه تسجيله في الوضع الحاضر لقيام مانع حال دون ذلك فهذه الإشارة من شأنها أن تحفظ لصاحب الحق عند زوال المانع إمكانية تسجيل حقه .
من خلال التعاريف السابقة لمؤسسة التقييد الإحتياطي ، يظهر أنها تركز بصفة أساسية على الدور الحمائي التحفظي المؤقت للتقييد الاحتياطي لأن هذا الأخير ليس غاية في حد ذاته بل هو مجرد تدبير إحترازي لحماية الحقوق غير المسجلة ، بمعنى أنه مرحلة سابقة للتسجيل النهائي لكونه يحفظ لصاحبه حق الأولوية في تسجيل حقه إزاء كل شخص أراد تسجيل حقوق أخرى لاحقة نشأت عن نفس العقار .
ولكي يكتمل التحديد الدقيق للتقييد الإحتياطي يجب تمييزه عن مؤسسة الحجز التحفظي على إعتبار أن هذا الأخير يرمي إلى منع المدين من التصرف في المال المحجوز حماية لحقوق الدائنين ، لهذا سنبين الفرق بين التقييد الاحتياطي والحجز التحفظي كمايلي :
- من حيث المحل : سبق أن قلنا بأن موضوع التقييد الاحتياطي يكمن في العقارات المحفظة أما الحجز التحفظي فيقع على المنقول والعقارات المحفظة وغير المحفظة .
-من حيث الهدف : إن التقييد الاحتياطي يهدف إلى الحفاظ على رتبة تسجيل حق عيني ، في حين يهدف الحجز التحفظي إلى ضمان إستفاء دين ثابت لأداء ( 7 ) .
- من حيث المصير : فالتقييد الاحتياطي إما أن يتحول إلى تقييد نهائي أو يتم التشطيب عليه تلقائيا أو بإتفاق الأطراف أو عن طريق القضاء ، أما الحجز التحفظي فإما ان يتحول إلى حجز تنفيذي تتبعه إجراءات بيع العقار بالمزاد العلني أو يتم التشطيب عليه .
ثانيا : أهمية موضوع التقييد الاحتياطي
تستمد هذه الدراسة أهميتها العملية والعلمية من أهمية الموضوع الذي تتناوله وهو دور التقييد الاحتياطي في حماية الحقوق غير المسجلة .
- الأهمية العملية : إن موضوع التقييد الاحتياطي يعد من أدق الموضوعات القانونية ، خاصة وأن إرتباط الإنسان بالعقار هو إرتباط فطري ، فلا عيش ولا حياة ولا مسكن بدون عقار . فهو يعتبر الأرضية الأساسية لإنطلاق المشروعات المنتجة ، و المشجع على الإستثمار حينما تكون الوضعية القانونية والمادية للعقار مستقرة ، بهذا يحتل العقار مكانة رئيسية لدى الأفراد والدولة بإعتباره الفضاء الذي تتفاعل فيه مختلف وسائل الإنتجاج والإستثمار مما يجعل المحافظة عليه وحمايته والرفع من قدرته ، وإستقرار المعاملات والتصرفات الجارية عليه شرطا أوليا لتحقيق الإقلاع الإقتصادي والإستقرار الاجتماعي .
وأمام هذه الأهمية والمكانة التي يحظى بها العقار المحفظ كان لزاما على المشعر إيجاد آليات كفيلة لحماية الحقوق غير المسجلة بالرسم العقاري .
- الأهمية العلمية : تتجلى في المساهمة في دراسة موضوع " دور التقييد الاحتياطي في حماية الحقوق غير المسجلة " ، خصوصا وأنه تمكنت من الإطلاع على جميع المراحل التي يقطعها إجراء التقييد الاحتياطي عندما كنت مستخدم بمصلحة المحافظة العقارية ، وإزدياد هذا الإهتمام من خلال الإطلاع على العمل القضائي عن قرب بمحكمة التدريب ، أضف إلى ذلك الإشكالات العملية التي يطرحها هذا الموضوع ، خصوصا وأن هذا البحث غني بالعمل القضائي للمحاكم المغربية بما فيها إجتهاد المجلس الأعلى ، والعمل الإداري للمحافظات العقارية .
بعد التقييد الإحتياطي من بين أهم المؤسسات القانونية التي أوجدها المشرع للحفاظ مؤقتا على الحقوق الغير القابلة للتقييد النهائي في الرسوم العقارية ، لهذا فإجراء التقييد الإحتياطي هو مرحلة سابقة على التسجيل النهائي للحقوق التي تكون محل عيب شكلي أو محل نزاع بين الأطراف أو أنها مازالت معلقة على شرط واقف أو باقي الحالات الأخرى المشابهة ، لذلك فكل من يدعي حقا على عقار محفظ له أن يطلب إجراء تقييد إحتياطي قصد الإحتفاظ المؤقت بهذا الحق .
غير أن الفصل 85 من ظهير 12 غشت 1912 المتعلق بالتحفيظ العقاري لم يحدد طبيعة الحقوق الممكن تقييدها إحتياطيا على الرسوم العقارية وهو ما خلف إختلاف الفقه و القضاء حول تحديد عبارة " من يدعي حقا " فهل قصد المشرع قابلية أي حق للتقييد الإحتياطي سواء كان حقا شخصيا أو حقا عينيا ، إن هذا الإشكال مازال مطروحا إلى حد الآن لدى القضاء ومؤسسة المحافظة العقارية ، إلا أن حدة هذا الإختلاف بدأت تتلاشى مع صدور عدة نصوص تشريعية نصت على قابلية بعض الحقوق الشخصية التقييد الإحتياطي وذلك بالنص الصريح عليها وليس إعتمادا على مقتضيات الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري الذي لم يحدد طبيعة الحق القابل للتقييد الإحتياطي .
يظهر إذن أن المشرع خول للمستفيدين من آلية التقييد الإحتياطي حماية حقوقهم إستعمال وسائل متعددة لإجراء هذا التقييد الوقائي الوقتي الذي يمكن أن يجرى إما بموجب سند أو بمقتضى أمر من رئيس المحكمة الإبتدائية أو بناء على مقال الدعوى أو عن طريق الأنواع الجديدة التي أوردتها النصوص التشريعية المستحدثة .
وللإحاطة بمختلف حالات التقييد الإحتياطي إرتأيت أن أقسمها إلى نوعين حسب المصدر المباشر الذي تستمد منه إلى الحالات غير القضائية للتقييد الإحتياطي ( المبحث الأول ) من جهة وإلى المحالات القضائية للتقييد الإحتياطي من جهة أخرى ( المبحث الثاني ) .